السبت، 3 ديسمبر 2011

فردة حذاء وحيدة .. ولا أمير !


    أدارت سندريلا كاميرا التصوير المنزلية  ..
    فتبدت مترددة قليلاً وهي تستجمع شجاعتها - امرأة في أواخر الأربعينات - توشك على توجيه رسالة لمن تُحب .

    " تأخرت كثيراً وأظنك قد أقلعت عن البحث منذ سنوات طويلة على
       الأقل.. فأنا لن أؤذي ذاتي من جديد -كما ظللت أفعل من قبل -
       و أقول إنك لم تبحث عني على الإطلاق
       بل عليّ الآن أن أكون إيجابية ، مُتفائلة فاعلة و مُتفاعلة ..
       هكذا عاهدت مُعالجتي و أصدقائي ،
                            أبنائي و ....... زوجي . "

    صمتت .. للحظات طالت ..
    تقاوم رغبتها في الضغط على زر الإيقاف
    ترفع جهاز التحكم من على بُعد ، تُوجهه للكاميرا
    لكنها .. تستجمع لحظات الانتظار ويأسها تُغشي عينيها بسحابات دمع
    كانت قد ظنته قد فنى ..
    فتدفع الجهاز أبعد من أن تطله يدها
    فتتساقط قطرتا ماء مالح فوق الصندوق الكرتوني الباهت الألوان بفعل القدم و الدمع  ..  إصطحبته معها منذ أن بدأت رحلة الانتظار لأمير لا يأتي ، اصطحبته معها حين لحقت بقطار الزواج ، و حين لحقت بقطار الإنجاب ، إصطحبته معها و خبئته عاهة مُستديمة فألفه المُحيطون ..
    فسندريلا لا يسألها أحد لما لا تزال تحتفظ بفردة حذاء لها حين كانت
    لم تزل في السابعة عشرة ..  !!
    فليس هناك سندريلا بدون فردة حذاء .. أليس كذلك ؟
    تقي قرارها شر جُبنها  ... و تكمل

    " ... تأخرت كثيراً و أظن الأمر قد قُضيّ لن تأتي ، أعرف و لكنني إستطعت أن أغيب الأمر طويلاً ، بل غيبته أكثر كثيراً مما يجب .
    لن تأتي .. "

    مدت يدها تُخرج فردة حذاء كانت في يوم ما عجائبية و براقة
    ربما لم تزل ... وربما لم تعد
    أمسكت بفردة حذاء كانت يوماً معجزة حياتها فأنتفضت في عروقها سنوات اليأس و الأمل ، الإنكار و الإحباط و معاودة المسير ،
    و الإستمرار في إنتظار من لم يأتي ليجد أميرته ، ليجدها .
    إعترى عقلها يقيناً أن الحذاء وهم لم يكن لها .. و بغريزية البراهين الطفولية إنحنت تضعه في قدمها !!
    إنه ذاته حذاء ارتدته في السابعة عشرة ، القياس ذاته ، و القدم ذاتها
    و إن بدت القدم أكثر تورماً بفعل الزمن و الجلوس ساكناً ..

    أمام الكاميرا المنزلية المُدارة حشرت سندريلا و قد أضحت على عتبة الخمسين فردة الحذاء الوحيدة في قدمها المُتورمة فتؤلمها قطرات مالحة تتساقط من عين تودع أخر لحظات أمل كان .. لتخبره

    " تأخرت كثيراً ، هل ترى ( تلتقط أنفاسها حتى تخرج رسالتها واضحة )
      و الآن ...
      و الآن أخبركّ أنه ليس عليكّ أن تأتي ، لن أنتظركّ بعد الآن
     و لكن ليست تلك رسالتي فدرب من الجنون - خضته طويلاً - أن أعتقد
      أنكّ تنتظر أن أخبركّ بعد كل هذه السنوات إنني لم أزل في انتظارك
      لتأتي .. بل درب من الجنون ذاته أن أعتقد أنكّ لم تزل هناك .. أو أنكّ في انتظار رسالتي ..
     لن أطالبك أن تتذكر فتاة هاربة من أمامك و قد دقت  ساعة قصرك
     الثانية عشر .. لن أطالبكّ أن تتذكر وجه من نسيتها
    فقط كل ما عليك أن تتذكره الآن - لأغلق حكايتي - أين وضعت فردة الحذاء الأخرى التي وجدتها في تلك الليلة .. حاول أن تتذكر جيداً أين وضعتها ، أين نسيتها ؟
     تلك هي رسالتي
    لا تأت ، لن أنتظرك بعد الآن
    أرسل لي فردة حذائي الأخرى لتستقيم لي خطوتي العرجاء و ينتظم دبيب قامتي ..
    ولا تأت
    و إن كنت قد أضعتها و لم تعد تذكر مكاني أو مكانها ..
    أرسل لي عنوان لك إذاً مصحوباً بالكلمات التالية

           " عزيزتي ..
              لا أستطيع الإستغناء عن فردة حذائي أو مُفارقتها فاغفري لمن
             لم يأت ذنبه و أكملي سيدتي رقة حكايتك في أذهان الصغار
            و أرسلي له و قد فات الأمل الفردة الأخرى من حذائه و لك جزيل
             الشكر مكرراً الاعتذار . "

    أنقل - فقط - الكلمات بخطكّ ، و سأصدق كذبتي
    أعدكّ - تلك هيّ رسالتي - وسأرسل لكّ فردة حذائي ليكون الحذاء
    و الحكايا وأذهان الصغار لكّ وحدكّ إرثاً كاملاً
    و سأكمل - أعدكّ - حافية ما تبقي لي من مشوار !!!




     

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
     و لا تأت .
      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق