الأحد، 9 سبتمبر 2012

كل شيئ على ما يرام


أوراقي طوق نجاة أعيده للماء مرة أخرى ليُنقذ آخر غريق

أوراقي رسائل إستغاثة امرأة وحيدة أحشُرها في كتاب ألقي به في عرض البحر                            دون عنوان  أو سبيل

أوراقي سنوات من مُحاولة الخروج من عنق زجاجة علقت بداخلها صُدفة  فكانت خير دليل

أوراقي كتابة كانت - وستظل - طوف لنجاتي من طوفان التفاصيل اليومية و الألم لعلها تُصبح في يوم  ما سفينة  قد تسع الجميع ..

كل شيئ سيصير على ما يرام

هكذا أخبرتني ، و أعنتني صفحات الكُتب

و كل ما أتمناه الآن أن أرد لكُتابها بعض الجميل..

أوراقي بين أيديكم إفعلوا - كما فعلت - بحروفها ما شئتم لخلاصكم

حرفوها ، إنسخوها ، إطبعوها بأسمائكم

إفعلوا بها ما شئتم

كل شئ سيصير على ما يرام

هكذا أخبرتني الكتب

كانت كلماتهم خلاصي

ربما تكون كلماتي .. كلماتكم

أوراقي طوق نجاة أعيده للماء مرة أخرى

ردوه إليّ بقصصكم

كل شئ سيصير على ما يرام

و ستظل مئات الحيوات على الشاطئ تنتظر كل غريق .   

الأحد، 12 أغسطس 2012

رحلة قدم صباحية



        تلاحقت الأقدام - مُتراقصة - على طرف الطوار المُزينة حجارته ببقايا اللونين

                                                                                  الأبيض .. و يليه الأسود ...

        تلاحقت الأقدام بحذر لم يكن من خشية السقوط ...

بل .. تلاحقت حذرة من إنكشاف أمر هذا الإيقاع الراقص ..



        تلاحقت الأقدام بحذر مُتراقصة بطفولة مُحلقة  ...

        فلم تعد الأقدام أقدام أم عائدة لتوها

        وقد تركت صغيرها يُحّلق في فضّائه الخاص  !!



ساعات قليلة هي ...

وستعود للطوار ذاته ...

ستعود لتحمله على كتفيها  ... فتعود أم ..

                                               و تعود خطواتها خطوات أم ..

ساعات قليلة و ستعود للطوار ذاته لتعود بصغيرها و تعود خطواتها خطوات أم ....

فتتلاحق الأقدام رصينة هذه المرة تسير على الأرض الممددة  ...

تلاحق يليق بحملها الصغير  ...

تتلاحق أقدامها ثابتة بلا إيقاع راقص لتُخفيه

مُتخلية - ربما - عن طرف الطوار لصغير لها  يحاول أن يسير بمحاذاتها - متأرجحاً

يتقبل مساعدة يدها مرة ...

ويدفعها مُصراً على الإعتماد على طفولته و إيقاعه الراقص مرات  ..

يثبت أقدامه على اللون الأبيض ... ثم الأسود

                              يليه الأبيض ... فالأسود دوماً من جديد

                              دون أن يُخفي شيئاً ... أو .... يُكشفه !!!















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين يمل من ثقلك الزوج و الأهل و الأصدقاء ... تظل وحدها أرصفة المدن وعبر سنوات قادرة على تحمل ثقل أقدامنا

فلك الشكر طوار ربط منزلي بما كان عملي  سنوات و سنوات و لم يتخلى عن أقدامي .. لم يرحل .. و لم يمل ..!








حارسة لطفولة إبني ..


على بوابة طفولته ... إستقر مقعداً.. نادراً ما تُغادره  .



حارسة هيّ لبوابة طفولته

لإنتظام نومه و إستيقاظه

لإستقرار طعامه و شرابه .. و حالته الصحية

لتعادل حالته النفسية

و أمزجته ، فترات لعبه

فهيّ هناك دوماً حين ينادي .



في منتصف ليلة إقتحم وحدتها فيها التعب

تُغادر الفراش حاملة إرتعاشة حرارتها المرتفعة .. لترعاه

و خوفاً ألا يظنها قد لا تأتي كما يرى في أحلامه

تصل إليه قبل حتى أن يكرر ندائه ..

مريضة ولكن كيف لها أن تُخلص لمرضها دونه

فما هيّ إلا حارسة لبوابة طفولته  .



تعرف تماماً ما كان لها من طفولة سعيدة و مُستقرة

تعرف أنه بالرغم من إضطراب العمر فيما تلى ذلك

إلا أن طفولتها ستظل هناك في مكان ما ..

تمنحها إستقراراً

و حُلماً بكونها لن تستطع أن تمنح لصغيرها إستقراراً

سوى لطفولته .. و ليأتي العمر بما يشاء بعد ذلك  .











ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين لا تملك أن تكون مرفوعاً و لو مؤقتاً من الخدمة ..

                            


إعتذارات لطفل لم يولد بعد .


معذرة صغيري

صغيرة أمكّ و طموحة ..



معذرة صغيري ... لو أصبحت لكّ أم غير التي تُريدها

                           فلقد إعتقدت يوماً أن في إستطاعتكّ أن تتفهم إختياراتي

                           كل ما أردته صغيري أن أكون إنسان حقيقي ..

                           حتى أصبح لكّ أم حقيقية

                           لعلني أخطئت .. فمعذرة صغيري .



معذرة صغيري ... على أشياء علمتها لك يوماً

                           و صدمكّ يأسكّ و الحياة بعدم جدواها

                           لكن أمكّ لم تستطع أن تمنحكّ غير ما تملك

                           و أنا لم أملك سوى تلك المبادئ

                           و لم أحلق سوى منها و إليها ..

                           لعلني أكون قد أخطئت .. فمعذرة صغيري .



معذرة صغيري ... على ما لم أمنحه لكّ

                           و على ما منحته لكّ .. و لم تكن تريده !!

                           و لكن عذري ... إنني أردتكّ حقيقة

                                                           و أحببتكّ حقيقة ..

                           و حاولت ..

                           نعم حاولت  .. و لكني كنتُ و لم أزل

                                                    صـغيـرة و طـمـوحـة

                                                    فمعذرة ... صغيري .











ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثقل أن تكون امرأة = ثقل أن تكون أنت + ثقل أن تكون أم !!!!






الحياة هيّ في إنتظار وقع الأقدام ..



حين تكون الحياة في إنتظار وقع الأقدام .. يجب إذاً أن تكون حياة على أطراف الأصابع .



عقلي لا يفكر في شئ ...

ما كل هـــــــذا الــخـــــواء !!

أبحث عن فكرة ، عن إتجاه ،

أبحث عن وسيلة ... الساعات وحدها تمر ولا تمر فكرة ما في طريقها عبر رأسي  !

                                سنوات تمر ... حين لا أسمع .. أختنق

                                ليس عقلي الذي لا ينام هوّ ما يُقلقني

                                بل أذناي اللتان لا تنامان .. !



و كأنني حين إنفصل الصغير عن جسدي أعطيتهُ كلتا أذناي ملكاً له و للأبد ..

فحين يصبح صغيري بعيداً عني أو يُمسي

لا تكف أذناي عن الإلتصاق به ..

أعرف في حينها أنني لا أستطيع سماعه

ولكنهما تظلا بجانبه هناك ، تاركتين لي نصف إنتباه

                                                            نصف قلب ..

                                                       و .. نصف روح ....!



                    " حينما لا أسمعكّ نديمي ... أشعر أنني لا أتنفس .. "



نسيت الموسيقى الصاخبة و الناعمة على السواء

نسيت إختراع لسماعات الأذن ..

نسيت الإستغراق في النوم ..

وخاطر الإستغراق في الرحيل ...

لعل هذا ما يُبعدني عني .. لعل هذا ما يجعلني لا أسمعُني جيدأً

فكل ما تسمعهُ أذناي الآن .. هوّ صوتكّ أنت

أذناي هل تسمعينني ؟

لا ...

فهما في إنتظار وقع أقدامك أنت حين تستيقظ .













ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن تكون أذن تسمع .. وعين ترى .. و لسان لا ينطق !!!

أفي هذا المُعادل السمعي .. لرواية " العطر " ؟!




اروى


جاءها صوت الصديق يحكي عنها ...

لا بل هّمّ بالحكي عنها .. لكنه توقف ليسألها .. أتعرفها ؟

                                                                    ... أتعرف " اروى " ؟

لم تشأ أن تكون إجابتها بالنفي هيّ الحافز له ليسرد لها عنها ...

أو عن حياتها ما قد يُفسد موتتها .... و هيّ كل ما تعرفه عنها ...

فكانت إجابتها :- نعم .. أعرفها .

إستمر يردد اسمها  مُتصوراً لحظات تحليقها في الهواء سقوطاً ..

مُوضحاً كونها كررت مُحاولات الرحيل أكثر من مرة قبل أن تتوصل لفكرة  " الطيران " .

و عندما إستطرد ليقولها لها حية ... قال عنها أشياء لطيفة - بخلاف ما تخوفت

أن تعرفه منه - لكن تعليقاته جاءت مُختصرة فهي - للأسف - قد سبق و أخبرته

أنها تعرفها ..!!

كم تمنت أن تتراجع عن إجابتها السابقة تنفي له حقيقة أنها تعرفها ، لعله يتراجع عن تعليقاته المُختصرة  !!!

خاصة حين أخبرها أنه قد رأها بنفسه مرتين في الأسبوع ذاته الذي رحلت فيه ...

كم تمنت أن يستطرد فيقول لها .. كيف بدت ؟

                                                     كيف ضحكت ؟

                                                      كيف نظرت للأخرين ؟

                                                       و متى ومع من قررت الإنسحاب ؟!



وطوال فترة ما بعد الظهيرة و أثناء بحثي عن أفكار لمشاهد كوميدية ضاحكة ..

تخللتها روائح الأرز الذي طلبه زوجي ، و إستغاثة طفلي بي في مُشاحناته مع إبنة حارس البناية المراهقة تحاول التملص منه لتُنهي أعمالها المنزلية قبل أن يحين موعد المسلسل ... ومُهادنتي لهما - لتلعب معه قليلاً - بمشروب مثلج في أكواب بلاستيكية

مُزينة بروسومات أفلامه المُفضلة  ..

يأتيني صوت أمي عبر الهاتف مُعاتباً لتأخري في السؤال عنها .. تذكرني بـ " سبوع " الحفيد الأول لأخيها في اليوم التالي في مقابل أن تتركني اليوم وتذهب بمفردها لزوجة صديق أبي المريضة والتي لم تعرفها أو تزورهم من قبل و لكنه إتصل اليوم و سألها عن تليفون أبي الخاص ... قالت لي :- اطلبيه .. لقد بدا حزيناً وسأل عنك .

فلم أخبرها أن أبي حين رد على مُكالمتي هذا الصباح قال لي

                                                      :- اطلبيه .. فلقد سأل عنك

                                                          و قال أيضاً أنه بكى ....



 إستقرت مُفترشة أوراقها المُبعثرة على الأرض ... تحتل مكان السرير الخالي إلا من علامات ثُقله و التي حفرت مكاناً لها - رغم إختفاءه الآن - طوال أربع سنوات هيّ عمر إستقراره و إستقرارها هنا ... و كانت قد رأته أخر مرة منذ دقائق مُستقراً مع أكوام الكتب المُبعثرة و المُتراصة على الأرفف ... فأغلقت عليه باب حجرة المكتب حتى لا يتسرب هواء الغرفة الوحيدة المُكيفة فتزعج حرارة الجو أم زوجها  و التي عادت للإستسلام للنوم مغلقة عينيها المريضة و المُعافاة على السواء على قطرات الدواء التي وضعتها لها لتوها كما تفعل كل ساعتين ، لتخرج في طريقها لحجرتها يصحبُها صوت المذياع هذا الصوت الذي لا يتوقف عن ترديد أصداؤه في المنزل طوال ثلاثة أشهر هي عمر إستقرار أم زوجها معها !!!!



وحينما نقلت بصرها ... بين أرجاء صفحات الورق الأبيض الخالي ... لم ترى غيرها

" اروى" كان هذا اسمها تلك التي حلقت من الدور العاشر للبناية ...

            كان هذا ما قاله صوت صديقها عبر الهاتف مُتسألاً بأشباه إبتسامة

                                      :- كيف نظرت لإسفل و إستطاعت أن تقفز ؟!

فوجدت نفسها تُخبره (مؤكدة له من حيث لا تدري وهم أنها عرفتها تلك الأروى التي رأها  مرتين تضحك في نفس الإسبوع الذي إنتحرت فيه )..

جاء صوتها يُخبره ..        :- كم سيكون الأمر ساذجاً أن تتصور أن من يقرر الطيران ينظر

                                        لأسفل ..فالطيور تطير مُتطلعة للسماء .. وليس للأرض !!

فهُيئ لها أن صوته كان مُبتسماً ...

فلقد كانا يبحثا معاً عن أفكار لمشاهد كوميدية ضاحكة ... !









ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  وحدها الهزيمة ترشق الأسئلة بلا رحمة في قلب الحلم ... (حوار المبتسرون لأروى)








دقائق معدودة ..



أمامي دقائق معدودة علي أن أنتهي فيها من إعداد الطعام

تاركة تجفيف ملابس البارحة لأشعة شمس شتوية ...

بينما ماكينة الغسل الألية تتعارك مع أوساخ علقت بملابس اليوم ..



دقائق معدودة و يصبح الطعام ناضجاً ليستسيغه صغيري

سأنتهي إذاً من كواء زيه المدرسي و ألمع حذائه ..

                                                         أفضله دوماً أسود لامع ..

                                                         أريد له أن يبدأ يوم طفولته

                                                          بحذاء لامع يليق بـ ( مُصافحته لظله )

مُتسألة كل ليلة .... أسيتذكر  هذا ؟

                               أسيعرف ذلك ؟!



ها هو الطعام قد أصبح مُعداً بما يتناسب مع طباخات ليلية لامرأة عاملة

أمامي الأن دقائق أخرى ... أستطيع أن أجلس لأكتب ..

أولعلني سأستبدل هذه الدقائق لأُنجز قراءات مُتأخرة ..

مُؤجلة دقائق الكتابة المُخصصة لليوم ... لأجمعها لمساء اليوم التالي

أظنها ستتسع حينذاك لأسطر مُضافة ...



أما الدقائق المُتبقية من جدول يُعنونه صغيري .. فستكون لي

لن أتركه النوم ليحتفظ بها وحده كل ليلة

نستطيع أن نتقاسمها فيما بيني و بينك ..

على أن تضمن لي قسمة عادلة ....



فدائماً أمامي - فقط - دقائق معدودة لإنجاز ما علي إنجازه

فإيقاع يومي " مُخلص و راسخ "

لا يُحطم  قوانينه إلا عقل امرأة تُفكر

مُتمدداً بساعات اليوم ... رافضاً وحدات إيقاعي الدقائقية ..

مُتخلياً عن رحمة تليق بأفكار تُحشر داخل جمجمة كيان لا يملك

                                   إلا دقائق معدودة لإنجاز ما عليه إنجازه !!!







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (يا النهاردة .. لما تروح النهاردة ما تجيش بُكره زي إمبارح .. قول لبُكره يجي بُكره )!!
















وسط حوائط عملها التربوي ..


لم تستطع الإنفلات من إنفعالاتها الصباحية ...

ظل عقلها المُزدحم  يبحث و ... يُحلل

أكان آرقها .. وصخب تداعيتها في حاجة لهذه المُشاحنة الصباحية ؟!

إذا كانت المُشاحنة مع زوجها ،

 لعلها كانت قد تناستها و أطلقت عينيها مُحلقة - كعادتها - في يوم جديد آتي

لكن أن تكون المُشاحنة مع صغيرها و الذي تخطى عامه الثاني بأشهر قليلة

فالأمر يظل دوماً مُختلف .

فهي أمهُ .. و ليست زوجة و رفيقة .



و بالرغم من خبرة أعوامها الخمس و العشرين المُتخيلة

إلا أنها لم تسعفُها أمام عناد الصغير .

لماذا يؤرقها خصامه أكثر مما يبدو أنه يؤرقهُ !!

ينظر إليها بعينيه الصغيرتين مُتعانداً  ، عندما تُهددهُ بأقصى عقاب عرفتهُ فيما بينهما

إنها لن تتحدث إليه ..

ستُخاصمهُ

هذا هوّ عقابها



و اليوم ..

حينما طال إختباؤها في حجرات منزلها بعيداً عنهُ لربما يأتي مُحاولاً مُداعبتها كما إعتاد أن يفعل من قبل .. لم يفعل أو يُحاول سألتهُ فقط أن يعتذر .. لكنه رفض !!

تكاد تبكي مُتشاغلة بأشياء تفعلها و هي بعيدة عنهُ ..

تلتصق أذنيها عبر الحجرات و الحوائط بشفتيه .. لعلهُ يعتذر لها همساً فستسرع إليه

حينذاك و تُنهي قسوتهُ .. " قسوتهُ "  !!

أهذا هوّ الأمر بينهم الآن ؟!

أيستطيع أن يقسو عليها بأعوامه تلك .. !

ام إنها هيّ من لا تستطيع بكل أعوامها تربيتهُ ؟

أو لعلها لا تستطيع ترويضهُ .. فيقسو !!!



ها هى قد قررت العقاب بصورة نهائية

 " لن تُحدثهُ حتى وصُولهما لدار حضانته ! "

أبدى مُوافقتهُ و لم يُبالي بل ظل صامتاً وقد أقلع حتى عن مُحاولة إستمالتها

بإبتسامته المعهودة ...

ببساطة ظل كاظماً طفولتهُ على قطعة الحلوى في فمه و التي سبق و وضعتها

 يدها المُتغاضبة كما إعتادت أن تفعل كل صباح قبل خروجهم ..

ببساطة فتح فمه و أغلقه على قطعة الحلوى ..



" .. لو أنه يُداعبها في تلكّ اللحظة فستستحضر أمومتها و تُؤجل تربيتهُ لوقت لاحق "



لكنه تجاوزها ليقف عند باب المصعد مُنتظراً أن تفتح له باباً لم يطلهُ بعد ..

فتفعل أمهُ صامتة !!



و حين وصلا لمكان فراقهما اليومي  .. سألتهُ للمرة الأخيرة أن يعتذر

                                                                       :- قول سوري

  " و إن علمت جيداً أنها لم تكن المرة الأخيرة بالفعل كما أخبرته لتوها !! "

نزلت بقامتها الفارهة تستحثهُ أن يقولها  أعتذر ..

                                                                      :- قول سوري

فإبتسمت عيناه الصغيرتان و قد ترك فمه مفتوحاً لإبتسامته فتساقطت قطرات ريقهُ

المُحلى فوق شفتيه للحظات ..

تأملتهُ و هوّ يُنهي عقابهُ لها وحدهُ حينما أراد ... ليقولها لها ببساطة



                                                                        :- سـوري



طالبتهُ بقُبلة ...                                    

                                                                       :- مووووه

إستزادت طالبة أن يحتضنها .....

 ففعل !!!!



تركتهُ لفضائه اليومي الخاص هابطة درج دار حضانته - و التي كانت تشُك في

حب مالكتها لإبنها منذ أيام قليلة تشكو عناده - هبطت معها دموعاً .. لم تجد غير أن تُخفيها بالمشي في الشارع الخلفي قليل المارة حتى تصل لعملها التربوي ...

أو لعله عملها الترويضي !!!



  


أكبُر بجواره ..


لي صغير يكبُر ... لكن ليس بمفرده ، فأنا بدوري أكبُر أيضاً

أعلمّه ..ما لم أستطع أن أتعلمه ، فأتعلمه

أظنني أعي الدرس جيداً .... أن أكبُر بجواره .

لا أملك أن أثبت الصورة ...

لا أريده أن يجدها قديمة وباهتة لو كّبُرّ وحده ..

لكن لو إستمريت في النمو مثله تماماً

ربما ستحتفظ صورتي وسط قدمها بطّازّجة ما !



تمتد يد الصغير و آذرعه مُحلقاً في فضاء خيال يسّعهُ

يحاول إشراك أمه التي صحبتهُ اليوم في رحلة ذهابه الصباحية ..

                          :- إفرديها .... إفرديها فووووووووق..

تعثرت آذرع الأم بسقف السيارة المعدني ...

فغُلفت إبتسامتها بما قد يعتريك حين تُصبح طيراً أوشك على إتمام عامه الثلاثين !

لاحقها الصغير مُحمساً يُريها كيف ترك جسده يهتز مع إنحناءة الكوبري العلوي هابطاً بهما لحيث إستعادت السيارة و السائق خط طريقهم الأفقي الممتد ...

لم تجد حينها إلا أن تُخبره كم هيّ رائعة لُعبته

ولكن أمه - كما رأى - لها آذرع أكبر من أن تمتد في فراغ تاكسي معدني !

                         :- أتعرفين ... رائعاً حقاً أن أكون طائراً ..

صاغ صغيرها جُملته بالإنجليزية كعادته حين يقرر أن يكون الحوار يخُصهما

- فيما يعتقد - دون الأخرين ..

لكن الحوار عن فكرة الطيران مع صغيرها .. حواراً لم تُمانع أن يخُصهما

فأمه لم تزل ترى أن الرائع ... هوّ أن تكون طائراً .

تأملتهُ مُمتنة لنعّم سنواته الخمس ... فشجعتهُ نظراتها أن يُكمل

أنه .... و بالرغم من ذلك ...

                      :- لا أريد أن أكون طائراً .

إضطربت طُمئنينةحلمها المؤجل دوماً ... تُنصت له مُكملاً

أنه حين فكر أن يكون طائراً .... هكذا صاغ جُملته

وجد .... صغيرها هيّ

أنه سيكون ....مُعرضاً دائماً لخطر الإلتهام !

                   :- لو أصبحت عُصفوراً مثلاً .. لابد أن هناك قطة ما ستلتهمني

                       حتى لو أصبحت طائراً أصغر .. حشرة

                       الضفادع تعرف كيف تلتهم الحشرات !

تبعثرت سنوات عمرها مصدومة بيقين إكتشافه و بديهيته ..

و يبدو أن تعبيرات وجهها جعلته يوضح ...

                  :- أعرف أيضاً إنني من الممكن أن ألتهم في صورتي تلك

                      و لكن لكي يحدث ذلك عليّ أن أتواجد في غابة ما

                       حيث يوجد أسد متوحش أو نمر ضخم !

اليوم عرف صغيرها ...ما لم يُخالط إيمانها بفكرة الطيران يوماً من قبل  !

عرف إنه في مُقابل أن يخسر حرية الطيران  ..سيكون على الأقل

                                                                       أقل عُرضة لأن يُلتهم ....



لم أملك ما أجيبكّ به صغيري  ..

فكما قلت أنت .. على الأقل أعرف الآن أنكّ ستكون آمناً....

اما أنا فلا أملك إلا تعليقاً مراثياً  ... ( عصفور عبيط أنا ....هنزل هنا

                                                                                     وإنشاله يلهفني فخ

                                                                                                            عجبي ) !